بث الوجود الدنيوي والوجود الإلهي، ماذا بعد التجربة الأرضية؟
-س1: كلمنا عن الصلاة الحقيقية؟
ج: أولا يجب أن أعرف ماذا تقصد بالصلاة الحقيقية وبمن تريد أن تتصل حتى نعرف إن كانت هذه صلاة حقيقية أو لا، أما إن كنت تتكلم عن الصلاة بالمصدر فقد بينا أن هذا يكون بالحياد والبراءة والصدق والوضوح، فكلما عززت هذه الأمور كلما اتصلت به، وكلما تلاعبت ولم تكن واضح وبريء انقطعت عنه.
- س2: المؤمن راضٍ بما كتب الله له سواء في السراء والضراء.
ج: لا أحد يكتب لك قدرك فأنت الذي تختار وأنت الذي تعيش ما تختار، حتى العبد هو من اختار العبودية والعيش في ذل ومسكنة، فكلٌ يعيش قدره الخاص؛ والروح هي من تختار كيف تثبت وجودها سواء بالحب والصدق والوضوح أو بالكراهية والعنف والقهر والتلاعب...وشتان بين الطريقتين فكلٌ يُجازى بما يفعل، وأنت بذلك حبيس ما تفعل وحبيس الطاقة المحركة لك والمنبعثة منك، وفي نهاية المطاف كل شيء عادل ولا يوجد أي خلل في النظام الإلهي فكل ينال ما يبدي وما يبطن.
- س3: كيف أوقف الأفكار؟
ج: بالصمت؛ فالصمت يقضي على كل الأفكار المسمومة، كالصيام الذي يقضي على كل الشرور، لهذا عليك أن تصمت حتى تختفي كل الأشباح، والأشباح هي تعبير عن الأحكام والتصوارت السلبية التي وضعها عقلك عن الماضي.
- س4: من أين تأتي الأفكار؟
ج: الفكرة هي شبح لشيء غير موجود يواسي بها الإنسان نفسه فقط، وتأتي الأفكار للإنسان الذي لا يستطيع تحمل الصمت بسبب تشوه علاقته به فهو يعتبر الصمت زوال؛ لذلك يشغل نفسه بالتفكير حتى عندما يكون وحيدا، والهدف من هذه الأفكار في لحظتها هو إثبات حضوره المزيف فتجده في حركة دائمة سواء بالأفكار أو الأفعال ولا يستطيع الثبات والسكون، فالسكون يشكل معضلة لهم.
-س5: القوة العاقلة تحرك الفكر؟
ج: في هذه الحالة أنت لا تتكلم عن الأفكار المطروحة في السؤال السابق وهي حالة خروج الأفكار عن السيطرة و النمط والمنطق، ولم نتكلم فيه عن جوهر الفكر المتعلق بسؤالك.
- س6: إذا الأفكار تأتي من الذاكرة الماضية أو الهرمونية الخيالية؟
ج: نعم لهذا قلنا أنها عبارة عن تصورات سلبية لأحداث ماضية ويجب التخلص منها. لأنها غير مفيدة، فهي عبارة عن طاقة تكافح في ذهنك ومخيلتك وتريد البقاء حتى ولو على شكل تخيلات أو أفكار...ولا تريد الموت ولا التسليم لجريان الزمن فهي مجرد مواساة كاذبة لشيء مات.
هذا النوع من الأفكار يحرمك من الحضور في الآن الذي تتمحور حوله اليقضة الروحية ويحاول تشويشك وجرك إلى صراعات مع الماضي، لهذا على الإنسان ان يتبرأ من هذه الأفكار والصراعات كما يتبرأ المستقبل من الماضي، فما دامت تغزوه هذه الأفكار لا يستطيع أن يكون واعي.
-س7: ما هو الوعي وما علاقته بالحضور في اللحظة؟
ج: الوعي هو اتصال دائم باللحظة واسمها الدقيق هو الاتصال بالحضور الإلهي الآني، وقد نبهنا دائما أن اللحظة سرمدية يلتقي فيها الماضي بالمستقبل وهي ليست جزءا كما يفهمها البعض، فالإنسان عندما يكون واعيا يكون حاضرا مع الإله أي ليس غائبا عن الإله والإله ليس غائبا عنه، فيكونان حاضران في حضور واحد، نجد تعبيرا عن هذه الفكرة عند بعض العارفين تحت مصطلح الامتزاج أو المزج، والأمر في الحقيقة أنهما شيء واحد أو طبيعة واحدة، وتدخل ثنائية الأنا والآخر أو أنا والإله عندما يغيب أحدهما عن الآخر، فالغياب هو من يصنع الفرق فعندما يغيب عنك الحضور الإلهي بسبب الأفكار أو المخاوف.. أو ما يعرف بالحجاب عموما في هذه الحالة تصبح هناك ثنائية.
المصدر تختبره ويختبرك في آن واحد وقصدنا بالاختبار هنا هو التبادل - بشكل دقيق استقبال وإرسال- لذلك عندما أقول يجب دوما أن لا تغيب عن الحاضر، فإن غبت فكأنك أصبحت في بعد والمصدر في بعد آخر.
- س8: ما هو سبب حضور البشر والإنسان على الأرض، ولماذا نعيش لفترة معينة ثم نموت؟
ج: هذه تسمى التجربة الأرضية وهي أدنى مراحل الوعي، والحاصل في هذا التجسيم هو الوعي المجسم المحدود، فنحن في هذه التجربة نختبر غياب الله، وقولنا بغياب الله لا يعني غيابه حقا؛ لأن الله غير محدود ونحن في عالم محدود لهذا نعبر عن الأمر تجاوزا بغياب الله.
الإله لا جسد له ولا يحتاجه، وفي هذه التجربة الكائنات تحاول إثبات وجودها بالجسد، لكن في مرحلة ما يمكنها التخلي عن هذا الجسد والخروج إلى وجود أكبر و أكثر رقيا لا تحتاج فيه للإثبات الجسدي، فأنت ككائن ما دمت تتعاطى بالحدود وهي ما يسمونها بالمعرفة حيث تَعْرِف الأمور بالعقل المحدود وهذا هو السجن، فأنت لا يمكنك اختبار الحضور الإلهي لأنك غير واعٍ، والوعي دوره فتح نوافذ في عقلك المحدود وجسدك نحو وجود غير محدود وإلهي.
- س9: هل هذه الكائنات هي من تجسد الإله في الكون؟
ج: هذه الكائنات تختبر أدنى مراتب الوجود الإلهي ولا يمكننا القول مطلقا غياب الإله لأننا موجودون ونتنفس النور الإلهي ونستعمل باقي الأسماء الإلهية، ويتحرر الإنسان من هذا الوعي المتدني عندما يُفتح له في هذه الحدود فتحٌ كما هو معروف عند الصوفية، أو في البوذية بتفعيل الطاقة الواحدة بحيث تخرج من تفرق الحواس إلى وحدتك الخاصة ثم إلى وحدتك مع كل شيء، هذا الفتح يكون على عالم أكثر لطافة من هذا العالم المجسد ولا يحتاج إلى الكثير من الحدود والأسباب...فتتجهز للذهاب إلى ذلك العالم هنا.
مثلا اعتبر أنك في هذا البعد الأرضي تختبر أمور عليا، فيُعطى لك درس في كتاب تطلع عليه لتعرف مالذي يجب أن تعرفه لتصل إلى المستوى التالي، والاختبار أو اختبار المصدر أو السمو الإلهي هو أن تعيش الأعلى في الأسفل أي تُختبر بشيء أعلى منك، إن استطعت تنفيذه على المستوى الصغير انتقلت إلى المستوى الكبير، وإن لم تستطع تعيد الاختبار، وفي حالة الانتكاس قد تخرج من التجربة الأرضية إلى مستويات أدنى.
بطريقة أخرى نقول أن الإنسان عندما يطلع على العالم الأعلى منه ويكوّن قناة تواصلية معه يتمكن من استمداد المعاني والقدرات، إن استطاع تطبيقها في البعد الذي يعيش فيه فهو جاهز لأن يعيش في ذلك البعد الأعلى غير ذلك سيكرر أو ينتكس.
- س10: ماهو دور المصفوفة في هذا الاختبار؟
ج: تعمل مصفوفة العقل المحدود على التشكيك في مخارج هذه الحدود حتى تعتقد أنه لا يوجد شيء خارج هذه المزرعة الأرضية ولا يمكن أن يكون، فتُقنعك هذه المصفوفة أن حياتك يجب أن تكون محدودة بهذا الجسد وشروطه.
كل شخص سيُفتح له فتح إن اتّبعه سيُعطى سبلا وميزات يستطيع أن يرتقي بها إلى البعد الذي يليه، مثلا الحكمة ميزة علوية إن استطعت العيش بها على المستوى الأرضي أنت تستحق الصعود إلى المستوى الذي يليه.
- س11: هل تعتقد بوجود حياة بعد الموت أم أنها فقط أوهام؟
ج: نعم، توجد حياة بعد الموت.
- س12: وما هي الحياة التي توجد وكيف؟
ج: هذا السؤال في بنيته التركيبية خاطئ، أنت تسأل عن الكيفية وقاموسنا مملوء بالحدود المُستمدة من هذا العالم؛ يعني لا نستطيع الحكم والقول أن الحياة بعد الموت ستكون بهذه الطريقة أو بتلك الطريقة، لأن جميع الكيفيات مستمدة من حدود هذا العالم، ولايمكننا التحديد لأن أدواتنا المعرفية مستمدة من بنية هذا العالم وما نعرفه عن هذه التجربة، ومن الخطأ أن يحاول الإنسان بأدواته المحدودة أن يحد شيء خارج عن مداره أو قدرات تلك الأدوات المحدودة، لهذا لا يمكننا الدخول في كيفيات ما بعد الموت فنحن لا نعرف إلا الكيفات الموجودة في هذا العالم، ونستطيع أن نقول أن الحياة خارج هذه الحدود لا تنطبق عليها هذه الحدود فقط، غير ذلك أنت تجبر تلك الحياة أن تكون مثل هذه الحياة أو أقرب منها.
- س 13: المصفوفة تشويش لتدرك وتلقي مواريثك وعاداتك في سلة المهملات.
ج: بالطبع هي كذلك، فكل ما حُمّلت به من أوزار من طرف جميع من أراد الوصاية على روحك الحرة، ما هو في الأخير إلا جدران يجب كسرها وأغلال يجب فكها حتى تتحرر.
- س14: أي شيء تستجيب له هو نتاج عقلك، عقلك هو الذي يصبح غاضبا، عقلك هو الذي يصبح عنيدا وهو الذي يحكم ويريد أن ينتقم، وهو الذي يتأذى لكن بمجرد أن تتوقف عن كونك عبدا لعقلك..اخبرني أين الغضب؟
ج: نعم المشكل في العقل المحدود الخالي من النوافذ روحية، فهو الذي يمارس عليك الضغط وعلى الآخرين، هو جاسوس المصفوفة الدفين فيك والذي يجعلك تنساق دائما إلى أعمال المصفوفة التشويشية على مشروع الإنسان الإلهي.
- س15: العقل هو أدات للتمييز بين 1 و2.
ج: العقل ثنائي وهو الذي ولّد الثنائية والتي تحسرك دائما بين خيارين فتكون بين كذا أو كذا، أما في الحقيقة فالحياة أعمق من هذه الخيارات المحدودة والثنائية.
- س16: لماذا كل روح طيبة حزينة؟
ج: لأنها تعيش قدرها، وقدرها في امتصاص الشرور؛ الشر عبارة عن سلسلة أحدهم ظلم الآخر وهو بدوره ظلم غيره لأنه ظُلم وهكذا... لكن عندما يلتقي بروح طيبة سيتوقف هذا الشر عندها وتمتصه وتوقفه لذلك هي حزينة.
- س17: في التمرين الأول بالنسبة لوضعية الجنين كيف لي أن أعوضها بسبب مشاكل في رجلي؟
ج: ليس عليك تنفيذ هذه الوضعية، كلما عليك فعله هو تحقيق الانقباض من خلال شد الأعصاب ثم إرخائها وهذا هو الهدف من الوضعية.
- س18: كيف أشفي نفسي، أحس بفقدان التحكم، أمراض توتر حساسيات، وهناك أطعمة تضرني أحاول كل مرة التوقف عنها، نفس الأنماط، عادات سيئة، إدمان العادة السرية؟ كيف أبدأ لأنني مهما حاولت لا استطيع الاستمرار؟
ج: في الحياة عامة الطاقة يجب أن تتحرك وتخرج ولا يمكن حصرها، والطاقة إن لم تعرف كيف تتعامل معها تخلق لك أنماط شاذة ومشوهة فاقدة للسيطرة.
لهذا إجابة سؤالك تتطلب منك مسارا طويل لتخوضه، يجب عليك أن تتعب على نفسك حتى تتعلم كيف تشعر بها وتتحكم فيها ولا يمكنني قول لك أن تفعل هذا ولا تفعل ذاك، هكذا أنا أبيعك الوهم؛ لأن هناك قدرات في الإنسان إن لم تخرج بطريقة وأنماط حسنة وكيفيات مثالية تخرج على النقيض، كالغضب مثلا هو قوة معكوسة للجد والمثابرة، وتُعكس لأن الإنسان لا يعرف كيف يعبر عن طاقته.
كنصيحة مني يمكنك أن تبدأ بمحاولة إيجاد شيء جديد ومثمر في حياتك ولا تهتم بتلك الأنماط وما كنت تفعله افعله حتى يتمهد الطريق الجديد الآمن لك، يعني بدل أن تحاول القضاء على هذه السلبيات جد أشياء إيجابية هي ستقضي على هذه السلبيات، لأن طاقتك ستخرج ستخرج سواء ببناء أو هدم، بجمال أو قبح...فأنت لا يمكنك عدم استغلال هذه الطاقة لهذا عليك إيجاد شيء إيجابي هو الذي سيقضي على هذه السلبية مع مرور الوقت.
و لا يمكنك أن تتوقف عن هذه الأنماط الفاسدة والمتكررة الآن فالطبيعة تأبى الفراغ، حاول ادخال منافسة؛ أي ادخل نمط إيجابي مثمر يتغلب على الأنماط الفاسدة، هذه هي النصبحة الوحيدة التي يمكنني تقديمها لك غير ذلك ستحارب السلب بالسلب ولن ينتهي السلب أبدا بل سيزداد، كأن تكون في الظلام إشعالك لنار واحدة كافية لإنارة الظلام بدل أن تلعنه، فالإنسان ينبغي له أن يفعل وإذا لم يفعل الخير سيفعل الشر.