تأثير الشمس والقمر على الرحلة الروحية

Akada Toureia
0

الشمس والقمر

كل شيء في هذا الكون مبني على القطبية كالشمس والقمر؛ حيث الشمس تمثل قطب الذكورة والقمر يمثل قطب الأنوثة،  ووراء كل هذه الأقطاب هناك قطبان رئيسيان هما الأزل والأبد؛ ويقصد بالأزل ما كانت له نهاية ولم تكن له بداية أما الأبد فالعكس أي ما له بداية وليست له نهاية، والأزل بهذا المفهوم يمثل الربوبية حيث العلل والأسباب، أما الأبدية فتمثل الألوهية حيث المآل والنتائج.

الطاقة أو النور يأتي من المستقبل نحو الماضي في استقامة ثم يعود من الماضي إلى المستقبل تموجا، ومنه تشكل لنا زمنين، الأول أصلي ومستقيم يمثل الفيض الإلهي من المستقبل إلى الماضي، والثاني عكسي ودائري ينطلق من الماضي نحو المستقبل وهذا هو الزمن الذي نختبره، إن تكلمنا عن الاستقامة تكلمنا عن السرعة والاختراق والوعي الجوهري الذكري، وإن تكلمنا عن الدائرة تكلمنا عن الوعي الأنثوي الجهري والمحتضن.

والأبد يمثل لنا عالم المثال والمُثل والمستقبل، والأزل يمثل عالم النسخ والقدم، ولما قلنا أن الفيض أتى من المستقبل نحو الماضي بشكل مستقيم ثم انعكس تموجا رجوعا إلى المصدر يعني أن المستقبل أو الأبد هو الذي خلق الماضي وهذه الصفة حكر على الألوهية، فالألوهية تنفرد بهذا الشرط وتتميز به عن باقي الكيانات، وإن انطبق هذا الشرط على أحد استحق صفة الألوهية حيث صنع ماضيه ولم يكن حصيلة أمور ماضية شكلته واستعبدته وهذا معيار منطقي لإثبات ألوهية كيان ما أو ذات.

وجب الفصل بين الألوهية والربوبية كقطبين للضرورة؛  فالربوبية هي فكرة مصدرية من باب أنها تسبق الفعل وهي بذلك محركٌ،  لأن الأزل كقطب يحرك من أجل الأبد أي الربوبية دوما هي عملية تحريك واستحثاث للفعل، أما الألوهية فهي المآلية بالنسبة لنا، فالله تجلى في المستقبل والأبد بالألوهية وفي الماضي بنا وهذا بالنسبة له؛ أي نحن ماضيه وهذا لا يعني أن الماضي الخاص بنا هو ماضي الله، ومنه نقول أن الله يختبر الماضي بنا.

الرحلة الروحية بين الماضي والمستقبل:

تسقط الأرواح بانسحاب هندسي مستقيم من الأبد أو عالم المثل نحو الأزل لتخوض التجربة الأزلية وتعود نحو المصدر مجددا، حين العودة أنت تحاكي النموذج ولا يمكنك أن تعود باستقامة بل تموجا حول ذلك النموذج، فمثلا عندما أقول لك أن تقوم بفعل ما هذا الفعل نرمز له بـX أنت عند قيامك بهذا الفعل لا تفعله بعينه بل تحاكيه ونسمي فعلك هذا X` فهو عبارة عن مشتق من الفعل X، فكل محاولات الإنسان في تجلي الألوهية من خلال محاكاة كل الأسماء فيه لا يحاكيها بشكل مستقيم آني بل بشكل موجي تفاعلي مع مرور الوقت محاولة منه للعودة إلى الأبدية، وكذلك الفيض الإلهي يأتي من الأبد أو المستقبل باستقامة نحو الماضي أو الأزل ثم يعود موجيا محاكاتيا واستنساخيا نحو الأبد، لأنه لا يعود في نفس الممر الذي جاء به بل يطوف حوله كمحور له.

لتبسيط الأمر نتخذ الشجرة لتمثيل الألوهية والربوبية، ثمرة الشجرة هي الأبدية والنموذج والمثال ومنتهى الشجرة،  تنطلق بذرة من تلك الثمرة  منفصلة عن الأبد لتذهب نحو الأزل الذي يمثل الباطن المظلم والجذور والقدم ومن هنا تكوّن مفهوم الأزل ومحاولة استكشاف القدم، فتطلق جذورها في الأرض لترتفع مجددا في السماء وتظهر وتتجلى الألوهة من جديد على شكل ثمرة، هذه الثمرة تحوي بذورا يمكن أن تخوض نفس التجربة؛ فالبذرة تسقط بشكل مستقيم ثم تعود بشكل موجي لتصبح ما كانت عليه وهذا منتهى الرحلة الروحية التي تمثل رحلة روح الإنسان، ليس من منظور فردي بل من منظور كلي حيث أن روح الإنسان ناتجة عن ثمرة واحدة نعتبر نحن بذورها.

عندما تتجلى النواة بشكلها الأخير كثمرة مثلا يعود هذا الشكل ليحمل النواة من جديد، البذرة أو النواة التي سقطت من الأعلى إلى الأسفل هي المستقبل، وينظر لها من المستقبل إلى الماضي على أنها مشروع ماسيحاني إلهي للعودة إلى السماء لتتجلى مجددا في مشاريع أخرى أكبر تتسم أيضا بالألوهية، وبهذه الطريقة نختبر الأزل في كل مرة لنعود من جديد إلى الأبد.

أنت في هذه الرحلة الروحية لا تحتاج إثبات انتمائك إلى عالم الألوهية أو المُثل، فأنت تخوضها لتستكشف الأسباب في  الأزل وتختبر وتعزز موقفك الأصلي الإلهي، فالرحلة الروحية غرضها استكشاف جذور معززة لموقفك وطبيعتك السماوية، ومقولتي «لو كنت سماويا إلهيا ووضعناك في أسفل السافلين ستعود من جديد لتتحلى بما كنت تتحلى به  لأن ذلك حقك، وواجب على الوجود أن يعيدك فهذا اضطرار كوني وجودي»، وهذه هي رسالتي التي أريد أن أوجهها.

لكن الظروف قد تعرقل هذه الرحلة فالظروف عدو الإنسان، هناك بذرات تفسد بسبب الظروف فلا تستطيع العودة وتكسر أجنحتها فتتشبه بتراب الأرض كأنها تنتمي له فلا تستطيع العودة، وإن لم تصادف يد عليم حكيم رحيم ستُنحر أبديتها لأنها أصبحت بذرة متعفنة فاسدة ومشوهة.

 فالرحلة الروحية الإنسانية هي رحلة اختبار حقانية تربع هذه الروح على الأبدية، فهي البحث عن استحقاق حقيقي لما كان متجليا من قبل في الأبدية فتعود من الأزل نحو الأبد محاكاة لأصلك الذي أتيت به باستقامة، ومن حيث الروح الزمن معكوس لأن الروح جاءت من المستقبل إلى الماضي، وبالنسبة للعالم والتجسيد الزمن يكون من الماضي إلى المستقبل سائرا بشكل موجي، لذلك فتقديس الموجات ظنا أن السر فيها أمر خاطئ لأن السر في المستقيم والمحور الثابت الذي تطوف به الموجة.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)