الفلسفة الطاوية و إتحاد المخلوق والخالق، القدرات الروحية والحقل الموحد، إجابة عن مختلف الأسئلة
- كيف أن تكون الصادر و المصدر في آن واحد:
نبدأ كلامنا من المقولة التالية: "من هنا ليس من خالق. ولا شيء ينتج شيئا. كل شيء ينتج نفسه ولا ينتج من الغير. هذا هو النهج السوي للكون" (كتاب التاو ص 31).
هذه المقولة تلخص فكرة عظيمة ودقيقة جدا وهي أنه لا يوجد خالق، أي أن كل شيء منبثق من نفسه أو أن "كل شيء منبثق من التاو (الداو-Tao)" والتاو هنا يمثل نهر الألوهية المتدفق دائما، إن هذه المقولة تحيلنا إلى مبدأ التلقائية والذاتية فكل شيء ناتج من ذاته ومن تلقاء ذاته وهذا ينفي فكرة أن أي شيء متولد من شيء آخر في سلسلة غير متناهية، إن هذه الفكرة هي من طَرح المصفوفة التي توهمك أنك نِتاج شيء خارجٍ عنك وأنك مخلوق ومنفصل عن خالقك لهذا وجب عليك الطاعة والعبادة، والحقيقة أن انبثاقنا من الإله لا يعني أننا خُلقنا بل أننا انبثقنا من أنفسنا ومن تلقاء أنفسنا؛ أي أن الإنسان ليس وليد الظروف أو وليد خالق منفصل عنه، بل هو وليد انبثاق ذاتي ونتج عن نفسه وكل شيء كذلك، وهذا يعني أن كل شيء هو المخلوق والخالق في آن واحد.
وكون الخالق والمخلوق واحد فهو لا يتعارض مع المنطق بتاتا، عندما تصل إلى الحكمة تفهم أن كل شيء ينطلق من نفسه ومن الإله في نفس الوقت لأن كل شيء نفسه الإله، الأمر متعلق بزاوية النظر أنت مثلا ترى الشخص على صفته كمخلوق فهو مخلوق أما عندما تتعامل مع الأمور بوحدانية وتكميلية فنفس ما رأيت هي الألوهية؛ لأنك عندما تنبثق من الإله تنبثق من ذاتك الحقيقية وعندما تنبثق منها لا تنبثق من شيء محدد بل تنبثق من كل شيء، ومنه فأنت لست نتاح شيء آخر وإنما أنت نتاج كل شيء ولكي تفهم هذا أكثر نأخذ مقولة أخرى من نفسك الكتاب تقول:
" التاو الذي يمكن الإخبار عنه ليس هو التاو الأبدي
الاسم الذي تمكن تسميته ليس هو الاسم الأبدي
غير المسمى هو مبتدأ السماء والأرض
المسمى هو ام عشرة آلاف شيء
دائم اللارغبة يرى المحجوب
دائم الرغبة يرى المشهود"
الفلسفة الطاوية تدعو للخروج من الثنائية كالرغبة والألم، فالرغبة حسبهم هي من تحجبك فإن فنيت الرغبة ترى ما خلف الحجاب وترى الصورة الكلية، وكما أن التاو (الداو) الذي يمكن الإخبار عنه ليس هو التاو الأبدي فكذلك التجربة الروحية التي يمكن التكلم عنها في أسطر ليست هي التجربة الروحية.
- القدرات الروحية:
بينا سابقا أن كل شيء يحدث في الكون محكوم بنواميس ثابتة ولا شيء يخرج عنها ومنه فالمعجزات لا يمكن أن تكون حقيقية لأنه لا يمكن لأي شيء أن يخرق القوانين الكونية، لكن لماذا إذًا تعتبر القدرات الروحية أمورا خارقة للطبيعة حتى أن البعض يدرجها تحت مسمى المعجزات؟ الجواب على هذا بسيط إن القدرات الروحية ما هي إلا نتاج لقوانين كونية خاصة لا يعلم بها إلا المختارون، والقدرات الروحية ببساطة هي معرفتك بتلك القوانين الكونية الخاصة وقدرتك على استعمالها، وامتلاك شخص ما لهذه القدرات الروحية يعني أن له القدرة على التصرف بذاتية.
مع ذلك مازالت تبدو القدرات الروحية غريبة عن البعد الذي نحن فيه مما يشوش البعض ويوهمهم بأنها معجزات لكن الأمر ليس كذلك، إن رؤيتك ضمن محدودية هذا البعد هو ما يجعلك تظنها خوارق أما في الحقيقة فإن هذه القدرات الروحية راجعة إلى رؤية الكون بقوانين وأبعاد أخرى أي اختلاف زاوية النظر أو الرؤية الكونية أو انتقالك إلى بعد آخر، وهذا يعني أنك لم تخرق هذا البعد بل إنك انتقلت إلى مستوى وعي آخر يمكنك من رؤية ما رأيت أو فعل ما فعلت؛ بمعنى أنك تنتقل إلى بعد آخر حيث يكون ذلك الشيء موجود وممكن لكنه في بعدك هذا يعتبر مستحيلا.
- علاقة القدرات الروحية بالحواس والحقل الموحد:
الحقل الموحد في الفيزياء له عدة تسميات عبر الحضارات فهو التاو أو النهر الإلهي دائم التدفق أو هو الأعراف أو النهر الذي تصب فيه كل الأنهار الإلهية، والحقل الموحد عندنا هو الرحمة الإلهية التي تربط وتصل كل شيء ببعضه، ولما كان كل شيء في الوجود متصل بهذا الحقل الموحد بما فيه الإنسان فإنك تستطيع من خلال الاتصال به أن تكون في كل مكان وزمان، بعبارة أخرى تكون لك القدرة على الإحاطة بكل شيء أو تكون لك نظرة شاملة من خلال توحيد حواسك في حاسة واحدة تربطك بهذا النهر الإلهي أو الحس الموحد.
فالقدرة الروحية هي قدرتك على التصرف بقوانين الكون من ناحية اتصالك بكل شيء أو اتصالك بالتاو وليس من جانبك المخلوقي، فتصرفك بالحواس المتفرقة المحدودة أو من خلال حقلك الخاص هو ما يجعلك تعاني ويحرمك من الاتصال بالحقل الموحد، وإن أردت أن تفهم أكثر مفهوم الحقل الموحد فهو مطلقية حواسك المحدودة فنقول هو كالعين التي ترى كل شيء والسمع الذي يسمع كل شيء وهكذا مع باقي الحواس فهو الحس الكلي، وفصل حواسك عن بعضها البعض هو من يحرمك من رؤية الحقيقة كاملة فتراها من زاوية واحدة كالسمع أو البصر وبالتالي تكون رؤيتك للحقيقة ناقصة، ولكي تراها كاملة وجب عليك الاتصال بالحقل الموحد عن طريق توحيد حواسك وتحقيق تكاملها مع بعضها.
إن تجربة هذا التوحيد الحسي يجعل الأمر يبدو كأنك تخليت عن الحس أو فقدت حواسك لأنك وحدتها واتصلت بالحقل الموحد، لذلك يعتقد البعض أن الاتصال بالحقل الموحد يتطلب تصرفك باللاحس أو نبذ الحس وهذا لب الخديعة، فالتعاطي مع المصدر يكون حسيا، أما استعمالك للحواس الخمسة منفصلة فهو يجعلك تتعامل مع هذا البعد الواحد على أنه خمسة أبعاد منفصلة وهذه الأبعاد هي من تفصلك عن المصدر لهذا نقول أن الحواس الخمس هم الأراخنة الذين يشكلون الوهم الذي يفصلك عن المصدر أو البعد الواحد.
ولتبسيط الأمر نأخذ مثال القدرة الروحية التي تمكننا من رؤية ما لا نراه وسماع ما لا نسمعه، إن هذا الأمر راجع للاتصال بالحقل الموحد فاتصالك به يجعلك تدرك بحسك الموحد ما لم تشهده بحواسك المحدودة كأن يحكي لك أحدهم عن حادثة ما فتحيط بها علمًا بكل حواسك من خلال اتصالك بالحقل الموحد وتعلم بتفاصيل غفل عنها هذا الشخص، والسر في حدوث هذا الأمر قد يبدو مبتذلا لكنه حقيقي وهذا السر هو إيمانك الشديد ويقينك بأنك موجود في كل زمان ومكان بالطبع الأمر لا يكون جسديا بل حسيا، والحقيقة تكمن في طيات هذه الفكرة وفي إيمانك اليقيني بأنك خارج عن حدودك وغير محصور بها مما يجعلك تتصل بهذا البعد الموحد الذي هو توحيد لكل الحواس، وبذلك لن تكون عنصرا مستقلا عن هذا البعد بل تكون البعد نفسه وجزءًا منه حيث يمر فيك وتمر فيه، وهذا الأمر يحتاج إلى التجريب كي تفهم لأن كل القدرات الروحية نابعة من هذا الإيمان ومن فكرة أن هناك وجود متصل بكل شيء عندما تتصل به تعلم كل شيء أو ترى كل شيء، الفكرة بسيطة و تطبيقها صعب لأن الظروف والأحداث ستحاول تشتيتك عن هذه الفكرة واقناعك بعكسها.
ونأخذ مثالا آخرًا بعيدا عن الأمور الروحية الشخص الذي يتصارع مع ظروفه الحالية هو محجوز ومسجون داخلها، أما الذي يستطيع أن يخرج من هذه الظروف وينظر للعالم من منظور الكلية يستطيع توحيد القطعة واللوحة الكاملة لإيجاد المعنى الموحد.
- إجابة عن أسئلة المتابعين:
- س1: هل المصفوفة هي سبب تعاستنا كونها تحبسنا؟
ج: المصفوفة ليست سبب تعاستك وإنما إيمانك بها وتفاعلك معها هو ما يسمح لها بالتأثير عليك فتحس بالتعاسة بسببها، يمكنك اعتبار المصفوفة كحاضنة مؤقتة لتخرج منها لاحقا ولكي تتمكن من ذلك عليك أن تدرك أن الدور الذي حدّدته لك والذي تمثله داخلها ليس ذاتك وإن اعتبرت ذاتك هي ذلك الدور فلن تستطيع الخروج و الانتقال إلى دورة أو مصفوفة أفضل.
كما أن سبب تعاسة الإنسان ومعاناته هو فقدانه وخلوه من المعنى، فقيامك بأفعال عبثية فاقدة للمعنى هو ما يسبب المعاناة وحتى سبب مجيئك لهذه الحياة يجعلك تحتاج الى معرفة المعنى من ذلك ولو لم يكن هناك معنى من عيشها لكانت بلا جدوى، والإنسان كحقيقة صنعه المعنى فالمعنى والإنسان وجهان لعملة واحدة لأن الانسان هو الكائن الوحيد الذي يبحث عن المعنى ويدركه كونه معنى لهذا للوجود.
- س2: ماذا بعد الوصول إلى اليقين والحقيقة؟
ج: الوصول إلى اليقين يعني خروجك عن الزمان لهذا من وصل إليه لا يسأل عن ماذا بعده لأن هذا السؤال يصدر من شخص غير موقن .
هناك من يصل إلى مرحلة عالية من الوعي ويجد نفسه مازال مملوءًا بالأسئلة وهذا يحدث مع الكثيرين، لهذا يجب على الإنسان أن يتجاوز الأسئلة وأن يدرك أن كل الأسئلة التي يسألها هو جوابها، فالسؤال أحيانا يكون فخ يأخذك إلى البحث عن شيء خارج ومفصول عنك لذلك عليك أن تنتبه وتحذر من مثل هذه الفخاخ التي تحاول أن تسقطك من وعيك الذي أنت فيه، مثلا الطفل الصغير محب للتعلم والأسئلة، وأمارة نضجه هي الاكتفاء فيتوقف عن البحث والسؤال حتى مع نفسه يتوقف عن البحث.
- س3: ماهي الاستنارة الحقيقة؟
ج: الاستنارة هي الوصول إلى النور التام فكلنا نحمل داخلنا جزءا من هذا النور والهدف هو الوصول إلى تكميله واتمامه بالوصول إلى النور التام، وقد بينا أن الرحلة الروحية تتعلق بالتكامل لا التجزيء لأن التجزئ والتفصيل هي محركات الشر والنقص.
- س4: كيف تعرف أنك وصلت إلى الاستنارة؟
ج: الوصول إلى الاستنارة يعني القدرة على توحيد القطع، مما يجعلك قادرا على النظر إلى اللوحة الكاملة وإدراك معناها فتخبر عن ذلك المعنى ببصمتك الخاصة ويكون ذلك بالتواصل مع البعد الموحد ووصولك إلى النور، الأمر أشبه بالنظر إلى لوحة ما من بعيد حتى تتمكن من رؤية الروابط التي تجمع تفاصيل وأجزاء تلك اللوحة فتفهم المعنى الكلي منها لأنك إن نظرت لكل جزء في انفصال عن غيره لن تفهم المعنى، وهذه النظرة الكلية الموحدة هي وصولك للاستنارة والحكمة، والاستنارة تعني دخولك إلى السجلات الأكاشية التي تمثل سجلات الحقل أو الحس الموحد فهي أشبه ببرج مراقبة يسمح لك بالرؤية من زاوية كلية (360°).
- س5: هل البرمجة المشوهة تعيق القدرات الروحية؟
ج: البرمجة هي عبارة عن نمط مصمم لكي ينطلق من مقدمة ويصل إلى نتيحة محددة مثل آلية البرمجة في الحواسيب حيث توضع مقدمات وشروط إن توفرت تحصل نتائج محددة هذه هي البرمجة، والروح لا يمكن اعتبارها برمجة لأنها ثمثل وسيلة التواصل مع المبرمج أو القدرة على البرمجة، لهذا فالبرمجة المشوهة تعيق القدرات الروحية
لأن التشوه أو النشاز أو الخطأ يعيق القدرات الروحية كون الروح غير قادرة على قراءة الخطأ، فالخطأ يصدم الروح لعدم تمكنها من فهمه، مثل الحاسوب عندما يحصل خطأ في البرمجة لا يستطيع الاستمرار في القراءة لذلك يتوقف وتظهر نافذة تخبر بأن هناك خطأ ولا يمكن الاستمرار، هكذا يكون الأمر مع الإنسان عموما فالأخطاء أو الذنوب والسيئات هي تشوهات تعيق القدرة الروحية.
ومثال ذلك الشخص المصدوم الذي يحس بأنه عالق كأن يكون له مشروع تجاري لكنه متوقف، هذا يعني أنه يقوم بشيء خاطئ مما منعه من التقدم وأبعد الزبائن عنه، وكذلك الأمر في رحلتك الروحية إن كنت متوقفا لا تدري مالذي عليك فعله فأنت حتما تقوم بفعل شيء خاطئ ولو قمت بكل شيء بشكل صحيح ستصل إلى النتيجة الصحيحة.
- س6: مارأيك في تعدد الحيوات وما دليلك على وجودها؟
ج: مسألة تعدد الحيوات مسألة خاصة ونسبية وهي ليست بالأهمية التي يروجون لها، فكل ما يهم هو الآن لا تجعل من بحثك عن حيواتك السابقة مانعا لك، رغم وجود قراءة أخرى مفادها أن الحيوات السابقة تعيشها الآن، أما الذين يطلبون الدليل فلا دليل على ذلك إلا أن تخوض التجربة بنفسك كي تفهم، والارتقاء الحقيقي يعني توقفك عن البحث إيمانا ويقينا منك أنك وصلت إلى كل شيء.