هذا تفريغ للبث الصوتي : الوعي السامي وظواهر الألوهية، مسيرة الخلاص للجنس البشري
وعي المسيح والخلاص:
إن البشرية لا تعي خطورة الإحتكام إلى الماضي وتبعياته ولو علموا ذلك لسعوا جاهدين لعتق رقابهم من سطوته، فالماضي يحتل حاضرهم ومستقبلهم ويحبسهم في ذنوبهم التي أحاطت بهم، تلك الذنوب والخطايا الناتجة عن الواقع من حيث غفلتهم عن حقيقتهم ورسالتهم واستخلافهم في الأرض، فظنوا أن خلاصهم موجود في الحكمة الغابرة بينما بشرت كل تلك الحكم الماضية بظهور أعظم منها رُمز له بالمسيح والمهدي وغيرهم باعتبارهم من سيمنحون الخلاص للبشرية ويعتقونهم من ذنوبهم، لهذا فخلاص البشرية يكمن في مسح الماضي والتحرر منه ولا يكون هذا إلا من خلال وعي المسيح؛ ونقصد بوعي المسيح تلك الدرجة العليا من الوعي التي تمثل الحالة التي ستصل إليها البشرية بعد إنهائهم للعهد الماضي، فتمسح خطاياهم وماضيهم ويفتح بذلك عهد جديد للبشرية.
وعي المسيح أو المسيح هو الممثل الأحق والوجه الأجمل والأتم لله، فإن أراد الله الظهور سيختار حتما رمزا كالمسيح حلية للألوهية فهو روح الله وكلمته، والكلمة هي المترجمة لرموز الروح العليا التي تعبر عن العشق الإلهي الذي جمعت فيه كل الأسماء، لهذا فالمسيح هو كلمة الخلاص التي وعدها الله للبشرية التي إن وُصل لها ونُطق بها طويت كل السجلات والتجارب وانتهت الحياة الدنيا.
تحقيق الخلاص والوصول إلى النعيم يقتضي التطهر من الذنوب والخطايا والقشور التي وقفت حائلا وحجابا بين البشرية والله، وإن كان هناك باب للنعيم سيكون تحت اسم القداسة لأن القداسة تقتضي الطهارة والرفعة ولن يفتح هذا الباب إلا بالتطهر والتخلص باعتماد وعي المسيح، والمسيح لن يظهر حتى يحل وعيه أو روحه في الأرض وتسود على الأغلبية فتستطيع البشرية مجاراته وتقبله.
لماذا البشرية تحتاج إلى وعي المسيح:
السبب الأول: يعود إلى فشل الانتماءات والحلول الماضية و إثباتها عدم قدرتها على توحيد مصير البشرية وتخليصها، ومهما فعلوا وقدموا من حلول إلا أنهم لم يستطيعوا إقامة العدالة في العالم فكانت كل حروبهم وصراعتهم هباء وما خلفت إلا جراحا نازفة، لهذا يعتبر وعي المسيح الحل الأمثل والبديل الذي سيقود البشرية نحو خلاصها.
أما السبب الثاني: فهو عائد لوجود وعي المسيح في البشر منذ القدم إلا أنه لم يكمل إلا في عينات معدودة، وباعتبار وعي المسيح وعيا ساميا فمن المنطق أن ترتقع البشرية إليه وليس العكس لأنه جاء ليزكيهم ويطهرهم حتى يستطيعوا الإندماج والانسجام معه إلا أنهم لم يستطيعوا مجاراته ولم يصلوا إليه.
السبب الثالت: يرجع إلى مشكلة البشرية الحقيقية، إن مشكلة البشرية لم تكن يوما مشكلة مادية أو خارجية بل هي مشكلة روحية داخلية، فلو كانت مشكلتهم متعلقة بالمادة كالأزمات الاقتصادية والسياسية التي نراها لاستطاعوا الوصول إلى حل لها ووضع استراتيجيات تمنع تفشيها أو تكرارها، فلو عدنا إلى مشكلة ندرة الموارد الطبيعية والباطنية وبحثنا عن جذورها في التاريخ والاقتصاد لوجدنا أن سببها نَزَعات ظلامية و تملكية لبعض الفئات البشرية الناتجة عن غرورها وطغيانها وشيطنتها، فهي ترفض الخير لنفسها ولغيرها ولا ترضى باقتسام الثروات جشعا منها حتى لا يتساوى معها الآخر وهذا بسبب افتقار أرواحهم للنور فاختلقوا فكرة الندرة حتى يصعب الوصول إلى هذه الموارد وبالتالي يلزمك للوصول إليها الإلتزام بنظامهم الذي يخدمهم ويعود بفوائد عليهم، وما إن تصل البشرية إلى تطور وحل يؤدي إلى خلاصها حتى يختلقوا لها أزمات تعيدها إلى الصفر، وهذا من عمل المحركات الظلامية والشيطان الذي لا يرى مستقبلا ولا خيرا للإنسانية.
هذه المحركات تريد أن تكون البشرية مجرد نسخ فارغة غارقة في السطحية والقشور لأن وجود نسخ متجذرة ستفسد مخططاتهم الهادفة لوضع حد لمستقبل البشرية وإفنائها، فلم تكتفي فقط بخلق الأزمات لإلهاء الناس بل سعت إلى تقديم حلول إغرائية لحظية تحبس البشر في دوامة شيطانية تجمع بين اللذة والألم لأنها لا تقدم حلولا حقيقة بل تقوم باحتلال ذلك النقص فيك وابتزازك به، والهدف من هذا هو لفت انتباه البشرية عن حقيقة معاناتهم لأن الغوص في المعاناة مدعاة للوصول إلى المعنى والجوهر، وإن وصل الناس إلى معناهم عرفوا حقيقتهم واتصلوا بالنور خلصوا وحققوا غايتهم وهذا ما لا تريده المحركات الظلامية.
والحل للخروج من هذه العجلة الشيطانية هو التوجه نحو وعي متحد مع الوعي الإلهي وهو وعي المسيح الذي يمحو كل الذنوب وعهود الماضي وكل الانتماءات والعبوديات المعززة للظلم والظلام فتختفي سطوة الظلام ويفتح عصر جديدا للإنسانية تورث الأرض فيه لمن يستحقها ويستطيع إكمال المشروع الإلهي ، فيستيقظ البشر على كل المعاني والأسماء الإلهية المتجلية في هذا الوعي ويدرك الإنسان أنه من نفس واحدة وأن جميعهم متساوون ويستحقون عيش حياتهم على أكمل وجه، فيكون التركيز والقدرات الإنسانية موجها نحو خدمة الإنسان ورحمته، وبدل محاربتهم لبعضهم البعض سيحاربون عدوهم الحقيقي المتمثل في الفقر والجوع والمرض ويقدمون حلولا تصل بالإنسانية إلى خلاصها وإنهاء معاناتها فلو عالج الإنسان مشكلاته الداخلية أولا لما استطاع الظلام ابتزازه.
متى يحل الخلاص وترى تجلي الألوهية:
ينكشف الله ويتجلى في الحضارة الحقيقية التي توجه أفرادها لمعالجة معاناتهم الوجودية للقضاء على النقص، لأن الإله يُرى في العلاقة الصحيحة الجوهرية بينك وبين الآخر ومن خلالها تفهم من هو الإله الحقيقي وتراه وتحس بحضوره، وتجلي الإله يكون في صورة المسيح فيما يربط البشرية ويوحدهم ضد عدوهم الحقيقي، وهذا الأمر لا يحصل فقط عند اتحاد البشرية جمعاء بل يحدث أيضا في أي علاقة حقيقية بين طرفين حُلت كل المشاكل وأُخرجت من بينهما فيخرج الشيطان والظلام ويعرف من هو العدو الحقيقي فيتحدان ضده ويقهرانه؛ فعندما تبرئ أخاك تستطيع أن تجد المجرم الحقيقي وتتغلب عليه، لأن الظلام يدخل حين تلوم الآخر على مشاكلك ونقصك في حين أن العدو الحقيقي هو ذلك المشكل أو النقص فبدل أن يتصارع الطرفان فيما بينهما يتحدنان ويتصارعان ضد المشكل الرئيسي، وهذا هو هدف وعي المسيح المتمثل في تخليص الناس من بعضهم البعض وتوجيه الفرد نحو خدمة الآخر وإعانته، فأنت عندما تعين الطرف المقابل لك فأنت تخلص نفسك من الشر والظلام وتخلص الآخر أيضا، أما إن هاجمت الآخر وألقيت عليه كل اللوم فأنت لا تخدم نفسك ولا تحل معاناتك بل تعزز الظلام وسطوته عليك، الناس ينتظرون الخلاص ولن يحصلوا عليه لأنهم لا يسعون إلى تخليص الآخر فبتخليصهم له يتحقق فيهم وعي المسيح الذي يخلصهم هم بدورهم، أما الصراعات والحروب فلن توقف معاناة البشرية ولن تصلهم بخلاصهم فأي شيء مهما كانت صفته وتحت أي اسم يدعوك إلى الحرب والقتل وسفك الدماء فاعلم أنه الشيطان.