"إن ما يميز مملكة الإنسان هي العلاقات التي تعبر السمو الإلهي، يا أيها الإنسان إن كل ما لديك في هذا الوجود اللامحدود هي العلاقات، احرص على جعلها وثيقة كي لا تضيع روحك بعد الموت، إن جنة الأرواح الزكية هي ذاكرة الأوفياء"
العلاقات الجسدية- النفسية:
إن العلاقة من العلق وهو كل ما بين شيئين، فنقول علق شيء بين الأسنان، اي أنه توسط بينهما و دخل و أصبح صلة الشيء بالآخر، هذا من الجانب اللغوي، أما من الجانب المقصدي، فالعلاقات هي الروابط التي تجمع أفراد مجتمع ما، فكل مجتمع يبدأ بفردين، و يبدأ المجتمع الحي بنواته التي هي الأسرة، إن الأسرة هي النموذج التي منه يتم تجلي وظهور صفات المجتمع، وهنا نذهب إلى العلاقة الجسدية و النفسية بين الرجل و المرأة.
شاء الرجل أو كره إن المرأة نصفه الضائع، و لا يمكن أن يصل إلى جنته إلا بها، وكذلك بالنسبة للمرأة، كل علاقة هي تنقسم بين العلاقة الوظيفة الاضطرارية و العلاقة النفسية الاختيارية.
العلاقة الوظيفية: هي علاقة شكلية جسدية من حيث الوظيفة العضوية فالتكامل الوظيفي بين جسد الذكر و جسد الأنثى هو علاقة قهرية لا يمكن تغييرها، وظيفة الارسال الجسدي الذكري و وظيفة الاستقبال الانثوي، إن هذه القهرية هي التي تجعل من العلاقة الوظيفية شكلية، فالجنس كوظيفة تكاثر هو قهرية أمام الرجل و المرأة.
العلاقة الإختيارية: هي علاقة انفعالية تحتمل الرفض و القبول وهي تعبير الانسان عن قهريات الشكل و الوظيفة، فاختيار الشريك المناسب من حيث التكامل النفسي طويل المدى، لأن العلاقة الجسدية هي تكامل وظيفي قصير المدى، فمن تعلق جسديا سيزول ذلك بعد زمن قصير، فالرجل قد ينسى علاقته الجسدية بعد دورته الهرمونية اليومية، و المرأة يمكن ان تنسى علاقتها الجسدية بعد إكتمال دورتها الشهرية، أما العلاقة النفسية الانفعالية فتظل مخزنة في شعور الانسان، لأن الرجل أو المرأة في هذه يشعران ببعضهما البعض، بدون علاقة جسدية أو حتى بدون وجود في نفس المكان، إن هذا النوع من العلاقات هو ما يعرف بالحب، لأن الحب يبدأ بتكامل بين الأنفس، بحيث يحصل تناغم و كيمياء و مشاعر و احاسيس فتحصل شعلة لا تنطفى تزيد فيحرقك الحب و تنقص فتدخل في صقيع الفراق، إن هذه العلاقة النفسية هندسيا تعني حلول نفس الشريك فيك، و كأن نفسك غابت منك إليه، لذلك تشعر أنك فقدت نفسك، وكل ما تشعر به هو نفس الآخر فيك.
إن تبادل النفوس بينكما هو رغبة عارمة في تبادل الأنفاس و اللحظات، إن الحب هو أن تتخلى عن نفسك و تتمسك بالآخر، ليس الجميع محظوظ أن يفعل الآخر ما تفعله له، ففي الحالة النموذجية يعيش الذكر و الانثى خلودا لايفهمه سوى العاشقين.
العشق الإلهي:
إن العشق الالهي في الطرف الآخر هو شعور بحضور الكيان الأعلى بدون تكامل جسدي تماما، يختلف العشق الالهي عن العشق بين الذكر و الأنثى، في التكامل الجسدي، لذلك أغلب الذين أحبوا حبا أفلاطونيا أو حبا غير متبادل يتجهون إلى العشق الالهي الذي هو العشق المتبادل فأنت في ذهن الله و الله في ذهنك، فأنت في شعور الله و الله في شعورك.
فلو كنت من المحظوظين وحصل التبادل الحقيقي و المتوازن، فأنت الله و هي الله، و الأصح أن نقول أن الله بينكما، هنا نذهب إلى موضوع العلاقة الروحية.
العلاقات الروحية:
هي تكامل بين الطرفين على المستوى المعنوي الوجودي، وهي فوق ثنائية الرجل و المرأة، فهي علاقة إلهية كأن معنى الوجود واحد انقسم بينكما لكل مهمته و غايته أما في الأخير ستلتقون في مآل واحد كالحياة الأبدية أو كنعيم الجنة.
إن العلاقات الروحية تحصل بين الزوجين و بين المعلم و التلميذ و بين الإنسان و الآخر و بين حتى الانسان و النبات و الحيوان، فهي رابطة تصل الجميع بالكل، كأنكما تشربان من نفس النهر و لكما نفس النفس، كأنكما تشتركان نفس لحظة الإدراك، شراكة في الوعي و المعنى و الوجود، إن العلاقة الروحية مبنية على الامتنان و الخشوع، فالذي يشترك معك نفس المثل و نفس المعاني و نفس السمو، هو شيء فوق المطالبات و فوق الثنائيات و فوق كل شيء ذلك اتصال بنفس التردد و مسار على نفس الصراط.
إن الذاكرة وجدت لتخلد الارواح التي تآلفت بالوجود و المعنى، حتى ولو نساك الجميع و نسى جميلك الكل اعلم أن هناك رقيبا في الاعلى لازال يتذكرك كأن تفشي جماله الآن فقط.
إن المعنى هو كل ما يحتاجه الانسان، ولو انكر ذلك، إنما ينكر حاجته للمعاني السامية لأنها غائبة فيه، إن كل ما لديكم هو ما يجمعكم ولا يجمعكم الجسد و لا الزمان، كلما يجمعلك هو ذاتكم الواحدة التي من وراء هذه الاقنعة، إن تلك الذات هي المآل الاخير و الحالة النهائية لكل علاقة روحية.
كيف تعلم إن كانت علاقتكما روحية؟
هناك اشارات لكل سر و مظهر لكل جوهر، و اشارات روحانية العلاقة هي الرغبة في تشارك المستقبل، فهناك من يريد ان يبقى معك لأجل غير مسمى، لأنه لايشبع من الشرب من نفس نهرك، و لا يمل من السير في طريقك، إن الاشارة العظمى في هذا هي وجود الفراغ بينكما، كجلوس مع بعض، لا يوجد موضوع محدد و لا غاية واضحة و إنما المهم معك، إن روحانية العلاقة هي اتصال عميق بين ذات وذات و روح و روح فلا يهم شكل العلاقة الوظيفية و لا يهم انعدامها، المهم هو دوام الاتصال و الثقة التامة بما وراء الشخصيات.
فرغم عدم تدخل العلاقات القهرية بين المحسن و الضعيف وانما تجاوز الانسان لقهرياته الحيوانية هو ما يجعله انسان، و تجاوز الزوجين لقهرية الحاجة الى الجنس و التكاثر هو الذي ينقلها الى خلود حقيقي، و فيتحول الجنس من قهرية الحيوانية تحركها حرارة الافتراس و الاكل إلى جنس روحاني.
ماهو الجنس الروحاني؟
إن الجنس الروحاني يقوم على نفس تردد الخلق، بحيث نرى في الاساطير و ما طرأ في مخيلة الانسان الاول، أن السماء و الارض أنجبا ما بينهما من الموجودات، وفي هذا دلالة في الكتب المقدسة، لآدم و حواء اللذين أنجا كل البشرية، بعيدا عن شكليات القصة و الرواية و الخصائص الدراماتيكية، فطاقة الين و اليانغ متكلم عليه في حضارات الشرق أيضا.
نجد أن جذور هذا الطقس الكوني غائرة في القدم، إن تحقيق نفس التناغم التي بين السماء و الارض و الذي بين الليل و النهار، فقمة العدالة و المساواة و الاتزان، هذا التردد يمكن أن يخلق ما لا يمكنك ان تتصوره كما خلق في بدء الخلق هذا الخلق البديع، إن الطفل التي ينتج من الجنس الروحاني هو طفل مبارك صحيح البدن و الروح، يتلقى وحيا من طاقة السماء و تأييدا من طاقة الارض، فيحلق ان شاء او يسبح ان شاء.
إن الجنس الروحاني هو تعديل الطاقة على مستوى ساحر، كقبل شروق الشمس في السحر في لحظة الاعتدال بين الليل و النهار و يوم الاعتدال الربيعي، إن نماذج التزاوجات الروحانية منتشرة في الوجود، يجب ان يحل العدل و التناغم ولو دخلت القهرية لفسد الخلق، بدون اجبار، فالاجبار يدخل الكره و الكره يسبب النفور و النفور جحيم، فلا نبحث عن ليل دامس لا ينتهي و لا عن نهار ساطع لا ينتهي، كل ما ينبحث عنه هو ذروة الخلود في ذروة التناوب.
ان التلاحم ثم التباعد ضروي لاحداث الخلق فالبقاء معا لا يعني بقاء وظيفيا جسديا، فافترقت السماء عن الارض لأجل ما نتج بينهما، فكان بينهما الفراغ فأصبح بينهما كون عظيم.
"يجب أن تؤمن بي كي تستطيع الثقة بي، إن وثقت سأكون بجانبك حتى ولو فرقنا الزمن، إن الموت مجرد وسيلة لنلتقي في فضاء لا ينتهي مملوء بالسعد و الفرح"