ملاحظة:هناك بث صوتي أسفل المقالة
أهمية المَعْلَم في ضبط العلوم، قبل أن نحقق في مسألة بذور النجوم يجب إلقاء نظرة على تركيبة هذا العالم كي يكون لحديثنا معلم ومستند ننطلق منه.
الفرق بين المُعَلِّم والحكواتي يكمن في ضبط المُعَلِّم لعلمه في معلم محدد، بينما الحكواتي يتكلم دون الاستناد إلى مَعْلم واضح. فقبل الخوض في أي حديث وجب تحديد معلمه (مُعَلِّم، مَعْلَم، عِلم..) حتى يكون مستنداً ننطلق منه كي لا نسير في طريق الاتباع الأعمى، فالمَعْلَم يحدد كيفية وصولنا إلى الاستنتاجات حيث تكون لكل نقطة في الحديث احداثياتها الخاصة تصفها ضمن هذا المَعْلَم وتحدد سياقها ومعناها وعلاقتها بباقي النقاط وتوفر لنا سبل الاستدلال المنطقي حتى لا نضيع بين التأويلات.
تركيبة العالم:
هذا الوجود هو عبارة عن طبقات ومستويات وليس سطحاً أو مستوى واحداً، وهذا أول مدرك لشخص يريد الحقيقة، فالوجود ليس على مستوى واحد وانظر في الوجود تجد كل شيء له مستويات وقشور وجواهر ومباحث وابعاد.. ومن هذا نستنتج أن الوجود بأسره له مستويات عدة من الصغر إلى الكبر، من الميكرو إلى الماكرو، من البعد الصغير إلى الأبعاد البعيدة الكبيرة، وهي مستويات وطبقات راكب بعضها على بعض، وهذا الكون يمكِّننا بالتجربة والملاحظة أن نلخصه في الطبقات المذكورة سابقاً وهي:
- طبقة الجماد.
- طبقة المادة الحية.
- الطبقة الشبحية أو طبقة الخيال.
- الطبقة النفسية.
- طبقة التجريد التي هي بوابة العالم المجرد الذي هو بذاته عبارة عن طبقات: طبقة العقل، القلب، الروح...
النقطة اللابعدية والأبعاد ( بين القرب والبعد)
قلنا في كتابنا (رسالة وحدة الكمال) أن المستوى الأول هو الأبد وهو السابق والأول لكل شيء، فقبل الأبدية لم يكن شيء، أما الأزلية فهي مجرد تبرير لخلق الله لأن الله خلق ماضيه وسبقه، فالله لا ماضي له حتى يسيطر عليه لأن الماضي هو الذي ينشأ الشيء والله ليس بشيء، فالله غلب ماضيه وسبقه بأن أوجده فهو لا يحتاج إلى الأولية.
الأزلية تبرير الأبدية
الازلية هي العلة أو السبق أو الشيء الذي يسبق ويحرك، أما الأبدية فهي المآل فكل شيء يؤول إلى مآل، والأزلية ماضية والأبدية مستقبلية والله هو الأول وسبق السبق بحد ذاته أوليته أنه سابق لكل السوابق ولا ماضي له، والماضي الذي أنشأه ما هو إلا تبرير لأحديته بأن أنشأ ماضيه الذي هو عبارة عن كل الاحتمالات التي تراها في هذا الكون، والتي تعبر عن تبريرات وحِكَم ومعاني وأسماء تبرر وجود الله الأبدي المتقدس الواحد في أبديته الذي لا يحتاج لشيء، فالأزلية هي تبرير لأبدية الله وهي الجذور العميقة لهذا الأحد الصمد المستغني، وتمثيلاً لهذه الأزلية نختار جذور الشجرة، فقد قلنا أن البرعم الذي أنشأ الثمرة يعبر عن العرش الذي يحمل الجوهر والذي هو الأبد أو الألوهية، والجذور التي تغوص في الظلام في الأزل والماضي تبحث عن النون أو الماء فهي تبحث عن تبريرات لوجود هذه الشجرة تعززها وتعزز هذه الثمرة، فالجذور تبحث في عشرات الأمتار كما هو الحال في الأشجار الكبيرة، كي تعزز وتفرد الثمرة وكي تحقق الغاية من وجود الشجرة.
الشكل الأولي هو الشكل الجوهري أو البذرة وهي بذرة الشجرة التي جاءت من البرعم أو العرش أو من أصغر جزء، فما أريد قوله أن الألوهية أو الأبدية موجودة في جانب الميكرو؛ عندما تغوص في جانب الخلايا ثم الحمض النووي ثم الجزيئات ثم الذرات ثم الأنوية وصولاً إلى أدق شيء - واستعمل مصطلح أدق وألطف وأرق - وكلما دققت ولطفت ورققت تصل إلى الألوهية، أي تعرف اتجاه الألوهية ومصدرها المتمثل في الرقة واللطافة، وقد شرحنا هذا من قبل.
الألوهية الجوهر اللطيف
ومن الألوهية فاضت الربوبية التي أنشأتنا، هي تمثيل للكبر والإحاطة، عكس الألوهية، ومنه أقول أن نواة هذا الكون الذي هو المستوى الأول (الألوهية) فاضت فيضا عكسيا، فتكونت جميع الأبعاد كالبذرة التي تحوي داخلها جميع الأبعاد، عند التأمل والتدبر فيها نجد أن البذرة هي نقطة لا بعدية (متقلصة الأبعاد) تكاد أبعادها تنعدم ليس كحال الشجرة، وتفهمون أن النقطة اللابعدية أو (مسلوبة الابعاد) هي الربوبية.
من الميكرو إلى الماكرو
هذه البذرة فاضت بالأبعاد كلها من الجانب الميكرو إلى الجانب الماكرو، فأصغر شيء في الكون نواته وهي التي حققت و فاضت بهذه الأبعاد التي تراها و بربوبيته أحاط بعلمها يعني أن كل بعد مضبوط بعلم محدد فكل الأبعاد خاضعة للضبطية ضمن مصفوفة خاصة بها ( إلا الخطأ فهو عشوائي وليس مضبوط) كل شيء مصطف بعلم محدد وبإحاطة علمية وهي الذاكرة؛ أي أن كل بعد مذكور و موجود في ذكراه أي كيفية الإنطلاق من النواة و كيفية العودة إليها، وقد طرحنا هذا في مسألة القلم وقلنا أن القلم هو العقل الأول (أنظر لمقال علاقة النون بالقلم) وهو الذي خط الأقدار لكل شيء فأنت اتى بك القلم إلى هنا و هو الذي يصيغ لك قدرا لكي تعود إلى الله بشكل أو بآخر شئت أم أبيت، إن شأت فهو خير لك وإن أبيت فذلك شر لك، يعني إن أُجبرت على العودة فاعلم أنك عاص ومتمرد وتستحق العقاب، والعقاب هو العذاب والعذاب هو القطع وهو الفصل وهو عكس الانتماء أي أن القلم هوالعهد أو العقد الذي بين الجوهر أو النواة وبين المظاهر أو الأبعاد، التي تشكلت في خضم انفجار الفيض الإلهي الذي فاض بهذه الأبعاد، وكل بُعد مضبوط مقلَّم بحيث يعود إلى الله، والبعد الذي لا يعود إلى الله بعد مشؤوم ومذموم وناقص ومعيوب.