الوحي والتعليم:
الوحي هو الرمز ، والترميز هو ذاته التعليم، لغة علمت الشيء أي وضعت عليه علامة أو إشارة حتى يتبين، قال تعالى﴿ٱلرَّحۡمَـٰنُ (1) عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ (2)﴾ [الرحمن 1-2]؛ أي وضع فيه علامات رحمانيته و إشاراته.
وكذلك. في قوله تعالى: ﴿وَكَذَ ٰلِكَ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ رُوحا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِی مَا ٱلۡكِتَـٰبُ وَلَا ٱلۡإِیمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلۡنَـٰهُ نُورا نَّهۡدِی بِهِۦ مَن نَّشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰط مُّسۡتَقِیم (52)﴾ [الشورى52]، أوحى له أي علمه وكلمه عن طريق الاشارات والرموز.
و أيضا: ﴿قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّیۤ ءَایَة قَالَ ءَایَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَ لَیَال سَوِیّا(10)فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ أَن سَبِّحُوا۟ بُكۡرَة وَعَشِیّا(11)﴾ [مريم 11]، الآية هنا هي الإشارة الدالة على شيء، وكما قلنا فالوحي مجموع رموز وإشارات في حروف وكلمات دالة على معاني إلهية، وهذه المعاني تجعل من صلاتك حقيقية، وأوحي إليهم أي أشار إليهم ورمز لهم حتى يعلمهم، والوحي قد يأتي من الداخل أو الخارج.
البصيرة الحقيقة وبصيرة الدجال:
بعد أن بينا معنى الوحي، يمكننا الآن التفريق بين الوحي الحقيقي الذي مصدره الله والوحي الزائف من الدجال، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَـٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِی بِهِۦ لَوۡلَاۤ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [القصص 10]، وكذلك من الآية 7 من سورة القصص ﴿وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمِّ مُوسَىٰۤ﴾، إن الآيتين تثبتان أن البصيرة الآتية من الله هي التي تربط القلب بالله وبالايمان، على عكس بصيرة الدجال وآيته في سورة العلق.
الغاية من الوحي:
أما غاية الوحي أو التعليم فهي الدراية بالشيء، والدراية من الانتباه للشيء وفي اللغة الدراية هي قصد الشَّيء واعتماده طلبا أي هي قصد العلم والمعرفة بالشيء طلب الحصول عليه، وهذا ليس حكرا على أحد بل هو للناس جميعا ذكرا وأنثى.
مما سبق يمكننا القول أن الوحي هو ذاته تلقي العلم والخبر عن الله، ويكون بالاشارات والرموز التي تعصر في عصير الحروف مشكلة كلمات. ﴿ذَ ٰلِكَ مِمَّاۤ أَوۡحَىٰۤ إِلَیۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِی جَهَنَّمَ مَلُوما مَّدۡحُورًا﴾ [الإسراء 39].
أطوار الوحي:
قال تعالى: ﴿حمۤ (1)وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِینِ(2)إِنَّا جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَ ٰ نًا عَرَبِیّا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ(3)﴾ [الزخرف 1-3]. وأيضا في سورة مريم :﴿كۤهیعۤصۤ(1)ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِیَّاۤ(2)إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَاۤءً خَفِیّا(3)قَالَ رَبِّ إِنِّی وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّی وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَیۡبا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَاۤىِٕكَ رَبِّ شَقِیّا﴾ [مريم 1-4]، ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ أَن سَبِّحُوا۟ بُكۡرَة وَعَشِیّا﴾ [مريم 11] باستقراء الآيات نجد أن الوحي كان رمزا، ثم حرفا، ثم تم اشتقاقه في اللسان أي اللغة.
الوحي والشيفرة الإلهية:
نبدأ بالآية التالية: ﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِی بِأَسۡمَاۤءِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ﴾ [البقرة 31]، آدم هنا هو الرمز الكامل، أما الكون فهو رمزيات للأسماء، فآدم يحمل الشيفرة الإلهية أو الرمز الإلهي ويتعاطى من خلالها مع الكون تفكيكا وتركيبا، وثنائية التفكيك والتركيب هي تمام فهم الرمز، وتكمن حكمة الأسماء كلها في فهم الشيفرة، والهدف من هذا الفهم هو العودة إلى الرمز الأول باتباع تفكيك الرموز ثم اعادة تركيبها.
ولتبسيط الأمر نأخذ المثال التالي: أقول لك التواب، التواب هنا هو اسم ورمز لفعل إلهي، عندما تخطئ وتكتشف أنك ظلمت نفسك فإنك تتوب أي تعود إلى الاسم أو الرمز الذي وضعه الله فيك كي لا تضل الطريق، فكل اسم هو شيفرة للعودة إلى الطريق الصحيح الإلهي.
الشيفرة الإلهية والهداية:
قال عز وجل: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِیۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤۚ أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَـٰذَا غَـٰفِلِینَ(172)أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّة مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ(173)وَكَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ(174)﴾ [الأعراف 172-174]
الترميز فطري وهو جاهزية كل فرد كي يفهم الحقيقة مهما كانت ظروفه، فإنه يتبع آية علم آدم الأسماء كلها؛ وهذا يعني أن فيك الرمز و قابلية فهم الرموز و الإشارات التي توصل بأن هناك رب.
قال عز وجل:﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُوا۟ مِنۡهَا جَمِیعاۖ فَإِمَّا یَأۡتِیَنَّكُم مِّنِّی هُدى فَمَن تَبِعَ هُدَایَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ(38) [البقرة 38]، ، كما في قوله تعالى:﴿إِنَّ هَـٰذِهِۦ تَذۡكِرَة فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلًا﴾ [المزمل 19]، وأيضا ﴿إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [الزمر 21]، ﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [الذاريات 55]، الهدى والهداية هو التذكير بالرموز والآيات والإشارات، وجميع الآيات التي تتحدث عن الوحي تقول إن هذه تذكرة وذكرى، فمن صدق بها واتبعها فقد اهتدى ومن كذب وكفر بها فقد ضل السبيل، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ(39)﴾ [البقرة 39]، فهؤلاء المكذبين بالآيات هم من أصحاب النار، ولتوضيح الأمر نأخذ المثال الآتي: نتفق أنا وأنت ونتعاهد على لغة إشارة بيننا في إطار مهمة، وفي منتصف المهمة أرسل إليك ترميزا وإشارة كي تفعل فعلا محددا، لكنك تكذب وتكفر بالإشارة وهذا معناه أنك خنت الاتفاق وخنت الجبهة والأصل.
عندما ترى رموز التواب تظهر أمامك فتنتبه وتدري أنك ضال فعد إلى أصلك، ذلك هو الفوز والنجاة، لأن الرموز حفظ لك من الهلاك في المتاهات والضياع ( أنظر أيضا إلى اللوح الأول: شروق الشمس - اللوح الثاني:هبوط أدم - مقال علاقة النون بالقلم )، وقس على ذلك لأن الرمز نتاج للقلم والنون، فهو من حفظ العهد قبل بداية العملية أو المهمة.
القرآن والذكرى:
القرآن ذكر وذكرى وتذكرة للصادق في البحث عن الله،
قال عز وجل ﴿إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [الزمر 21]، والله لن يكلمك إلا رمزا، ودليل ذلك: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡیًا أَوۡ مِن وَرَاۤىِٕ حِجَابٍ أَوۡ یُرۡسِلَ رَسُولا فَیُوحِیَ بِإِذۡنِهِۦ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ عَلِیٌّ حَكِیم﴾ [الشورى 51]، فالرمز محفوظ فيك؛ أي أن معرفتك بالله موجودة فيك عندما ترى الآية أو الرمز في الخارج وتصدق به فذلك عين الوفاق والهداية.