الرحمانية في تجليها النووي.
تكلمنا في المقالات السابقة عن العرش الإلهي (أنظر لمقال وكان عرشه على الماء)ووصفناه بأنه النواة الأولى التي نتجت منه شجرة الكون، وهذه النواة موجودة في الإنسان بصفته خليفة الله على الأرض، وهي حاملة للحمض النووي الذي يحمل بدوره كل صفاته الوراثية السائدة والمتنحية في شكل شفرات جينية، وقد قلنا في مقال سابق أن الرمز الإلهي(أنظر لمقال الرمزالإلهي) محفوظ في جينات الإنسان ( على شكل ألواح محفوظة)، لهذا فالإنسان متصل بأسماء الله الحسنى، وكل شيء مكتوب أزلا في اللوح المحفوظ وإن إلى ربك الرجعى، يقول تعالى،﴿ وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا (1) وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا (2) وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا (3) وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰهَا (4) وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا (5) وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا (6) وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا (7) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا (8) قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا (9) وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا (10)﴾. [سورة الشمس الآيات 1-10]، والجينات كما تحمل الصفات الوراثية فهي تحمل أيضا القدرات الروحية للإنسان، فالله خلقنا لأداء مهمتنا في هذا الكون والعودة إليه وترك فينا رمزا يهدينا إليه، مفرقا بين طريق الحق والباطل، فمن تبع الحق فقد أفلح واهتدى، ومن تبع الباطل فقد خاب ودس نفسه في الظلمات.
الشيطان والعبث بالجينات:
يعود هذا الأمر إلى الوعيد الذي لأجله تم انظار إبليس ليوم البعث (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119)) سورة الأعراف
﴿قَالَ فَبِمَاۤ أَغۡوَیۡتَنِی لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَ ٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ(16) ثُمَّ لَـَٔاتِیَنَّهُم مِّنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَیۡمَـٰنِهِمۡ وَعَن شَمَاۤىِٕلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَـٰكِرِینَ﴾ [الأعراف 16-17]، وبهذا تعهد إبليس بإفساد الصراط المستقيم وطريق الهدى الذي يسلكه الإنسان عودة إلى الله، وذلك من خلال العبث بالجينات وإحداث طفرات فيها، فأصبحت مستهلكة من قبله واستثمر وتشارك فيها لإخراج نسل ضال، ولما وضعت إمرأة عمران ابنتها مريم تعوذت منه وقالت:﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا...37﴾ [سورة آل عمران الآيتان 36-37]، لأنها علمت بخطط إبليس في تشويه النسل وإبعاده عن الله، فحصنت نفسها حتى لا تلد العقوق والسموم الذي يكفر بالله وبوالديه، ومثله كمثل الثمرة الفاسدة.
النسل الملعون واستنساخ الحمض النووي
إن النسل متعلق بالحمض النووي والجينات المتوارثة، وقد قلنا أن الحمض النووي يمثل العرش الإلهي أو النواة الأولى، ومن كانت جيناته صافية محصنة كان من النسل المبارك ومن طالت جيناته يد الشيطان وامتزجت معها فقد صار ملعونا مبعدا، فالهدف الشيطاني في هذا العالم هو استنساخ الحمض النووي وصنع إنسان بلا روح، فأثناء عملية التعبير المورثي تحدث عملية استنساخ الحمض النووي (ADN) داخل نواة الخلية بتدخل انزيم (ARN بوليمراز) الذي ينشأ سلسلة موازية لسلسلة ال( ADN المستنسخة) تسمى ب (ARNm) ومهمتها نقل المعلومة الوراثية لترجمتها خارج نواة الخلية، وأثناء عملية النسخ تحدث الطفرة الوراثية والتي تؤدي في الأخير إلى خلل في وظيفة البروتين الناتج ويصبح غير فاعل وبالتالي تتأثر باقي الوظائف، كما تصبح هذه الخلية الطافرة خارجة عن مراقبة الجسم...فالإنسان عبر السلالات المتتالية تعرض لاختراق إبليسي أدى إلى تشويه جيني، وأصبح يتوارث جيلا عن جيلا تلك الطفرة الوراثية، فأنتج نسلا ضالا مغضوبا عليه من العصاة المردة الذين لا خير فيهم مهما حاولت إصلاحهم، وبهذا شاركهم إبليس في النسل فأصبحوا خارجين عن الفطرة متلبسين بقرين متشيطن متوارث(انظر مقال الأنثى بين الإنس والجن) يقول تعالى: ﴿وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَیۡهِم بِخَیۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَوۡلَـٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الإسراء 64].
النسل المبارك والزمر الصالحة ودور تحصين الفرج في المحافظة عليه.
كما وجد نسل ملعون فهناك الأصل وهو النسل المبارك الصافي الذي لم تطله يد الشيطان العبثية، ولم يحصل له تشوه وهو من زمر السلالات الطاهرة التي اصطفاها الله كآدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران وأهل البيت، تدبر في سورة الأحزاب، آل عمران، الزمر، وإبراهيم عسى أن تكون من الفاهمين، وهذا النسل مهما كان غافلا لو ذكرته قليلا يعود إلى الحق وتستيقظ فيه ميزات كانت نائمة وقوى إيمانية رهيبة، على عكس النسل الملعون مهما هديته للحق لا يهتدي لأنه أصبح طفرة وفسدت فطرته.
إن الحفاظ على هذا النسل المبارك يكون بتحصين الفرج، كما فعلت مريم، قال تعالى: ﴿وَٱلَّتِیۤ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِیهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَـٰهَا وَٱبۡنَهَاۤ ءَایَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء 91] فمسألة تحصين الفرج لازمة للإناث(كما علمنا في المقالات السابقة أن الخيال يورث من الأم فقط عن طريق الميتوكندري وانظر مقال الأنثى بين الإنس والجن)، كما وجب اعدادهن منذ نعومة اظافرهن حتى يكملن الطريق الحق، وظهر هذا في قصة مريم من خلال كفالة زكرياء لها ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَن وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنا وَكَفَّلَهَا زَكَرِیَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقاۖ قَالَ یَـٰمَرۡیَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران 37]،فتعوذ امرأة عمران من مخالطة الشيطان نسلها كان كفيلا بزرع بذرة صالحة، فأنبتت نباتا حسنا، وحصنت فرجها، وكان هذا التحصين كفيلا بانتاج بذرة صافية طاهرة كالمسيح، فحصن صلبك وفرجك من مشاركة إبليس في أولادك، وقل حصنت نفسي بالحمدلله رب العالمين، وصلبي بإهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. رب اجنبني وبني أن نعبد الأصنام، وافتح لي وبني فتوح العارفين، واجعلنا منارة للعالمين ولا تطفئنا لنتم نورك بك، ونعلي كلمتك بك، ونؤمن بروحك بك، فنحن لك وبك ولأجلك، أعوذ بك رب من ولد عاق يخرج من صلبي يشق عهدك وينسى نعمتك، رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي وانظر إلينا وكلمنا وزكنا، رب وتقبل الدعاء.